فصل: تفسير الآيات (161 – 162):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}.
قوله تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا} مفعول ب {يَكْتُمُونَ}، و{أَنْزَلْنَا} صلته، وعائده محذوف، أي: أنزلناه، و{مِنَ البَيِّنَاتِ} يجوز فيه ثلاثة أوجهٍ:
أظهرها: أنها حالٌ من {ما} الموصولة، فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي: كائنًا من البَيِّنَات.
الثاني: أن يتعلَّق ب {أَنْزَلْنَا} فيكون مفعولًا به، قاله أَبُو البَقَاءِ، وفيه نظرٌ من حيث إنَّه إذا كان مفعولًا به، لم يتعد الفعل إلى ضمير، وإذا لم يتعدَّ إلى ضمير الموصول، بقي الموصول بلا عائد.
الثالث: أن يكون حالًا من الضمير العائد على الموصول، والعامل في {أَنْزَلْنَا}؛ لأنه عامل في صاحبها.

.فصل في المراد من البيِّنات:

والمراد من {البَيِّنَاتِ} ما أنزلنا على الأنبياء من الكتاب والوحي، دون أدلَّة العقل.
وقوله: والهُدى يدخل فيه الدَّلالة العقليَّة، والنَّقْليَّة؛ لما تقدَّم في دليل قوله: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 3] أنَّ الهدى عبارةٌ عن الدلائل، فيعمُ الكُلَّ.
فإن قيل: فقد قال: {والهدى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ} فعاد إلى الوجه الأوَّل.
قلنا: الأوَّل: هو التنزيل، والثاني: ما يقتضيه التنزيل من الفوائد.
وهذه الآية الكريمة تدلّ على أن من أمكنه بيان أصول الدِّين بالدلائل العقليَّة لمن كان محتاجًا إليها، ثم تركها، أو كتم شيئًا من أحكام الشرع مع الحاجة إليه، فقد لحقه هذا الوعيد.
قوله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ} متعلِّق ب {يَكْتُمُونَ}، ولا يتعلَّق ب {أَنْزَلْنَا} لفساد المعنى؛ لأنَّ الإنزال لم يكن بعد التَّبيين، وأمَّا الكتمان فبعد التَّبيين، والضمير في {بَيَّنَّاهُ} يعودُ على {ما} الموصولة.
وقرأ الجمهور {بَيَّنَّاهُ}، وقرأ طلحة بنُ مُصَرِّف بَيَّنَهُ على ضمير الغائب، وهو التفاتٌ من التكلّم إلى الغيبة، و{للنَّاس} متعلِّق بالفعل قبله.
وقوله: {في الكِتَابِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه متعلِّق بقوله: {بَيَّنَّاهُ}.
والثاني: أنه يتعلَّق بمحذوف؛ لأنَّه حالٌ من الضَّمير المنصوب في بَيَّنَّهُ أي: بيَّنَّاهُ حال كونه مستقرًّا كائنًا كائنًا في الكتاب، والمراد بالكتاب جميع الكتب المنزلة.
قوله تعالى: {أولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ} يجوز في {أولَئِك} وجهان:
أحدهما: أن يكون مبتدأ، و{يَلْعَنُهُم} الخبر؛ لان قوله تعالى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} يحتمل أن يكون معطوفًا على ما قبله، وهو {يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ} وأن يكون مستأنفًا، وأتى بصلة {الَّذِينَ} فعلًا مضارعًا، وكذلك بفعل اللَّعنة؛ دلالةً على التجدُّد والحدوث، وأن هذا يتجدَّد وقتًا فوقتًا، وكُرِّرَت اللعنة؛ تأكيدًا في ذمِّهم.
وفي قوله: {يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ} التفاتٌ؛ إذ لو جرى على سنن الكلام، لقال: نَلْعَنُهُمُ؛ لقوله: {أَنْزَلْنَا}، ولكن في إظهار هذا الاسم الشريف ما ليس في الضمير.

.فصل في معنى اللعنة، والمراد باللاعنين:

اللَّعْنَةُ في أصْلِ اللُّغَة: هي الإبْعَادُ، وفي عُرْف الشَّرْع، الإبعادُ من الثَّوَاب، واختلَفُوا في الَّلاعِنِينَ، مَنْ هُمْ؟ فقيل: دوَابُّ الأرض وهوامُّها؛ فإنَّها تقول: مُنِعْنَا القَطْرَ بمعَاصِي بَنِي آدَمَ، قنله مجاهدٌ، عن عِكْرِمَة.
وقال: {اللاَّعِنُونَ}، ولم يقل اللاعِنَات؛ لأنَّه تعالَى وصَفَها بصفةِ مَنْ يعقلُ، فجمعَها جَمْعَ مَنْ يعقلُ؛ كقوله تعالى: {والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] و{يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18] {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} [فصلت: 21].
و{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] وقيل: كُلُّ شيْءٍ إِلاَّ الإنْسَ والجِنَّ قاله ابنُ عَبَّاس.
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}.
في الاستثناءِ وَجْهَان:
أحدهما: أن يكون متَّصِلًا، والمُسْتَثْنى منْه هو الضَّميرُ في {يلعنُهم}.
والثاني: أن يكُونَ منقطعًا؛ لأنَّ الَّذين كَتَمُوا، لُعِنُوا قَبْل أَنْ يَتُوبُوا.
وإنَّما جَاءَ الاستثناءُ؛ لبَيَانِ قَبْول التَّوْبَةِ؛ لأنَّ قَوْمًا من الكاتِمِينَ لَمْ يُلْعَنُوا، نقل ذلك أبو البَقَاء.
قال بعضُهُمْ: ولَيْسَ بشَيْءٍ. اهـ. باختصار.

.فروق لغوية دقيقة:

.الفرق بين التوبة والاعتذار:

أن التائب مقر بالذنب الذي يتوب منه معترف بعدم عذره فيه، والمعتذر يذكر أن له في ما أتاه من المكروه عذرا ولو كان الاعتذار التوبة لجاز أن يقال اعتذر إلى الله كما يقال تاب إليه.
وأصل العذر إزالة الشيء عن جهته، اعتذر إلى فلان فعذره أي أزال ما كان في نفسه عليه في الحقيقة أو في الظاهر، ويقال عذرته عذيرا ولهذا يقال من عذيري من فلان وتأويله من يأتيني عذر منه ومنه قوله تعالى: {عذرا أو نذرا} والنذر جمع نذير.

.الفرق بين الندم والتوبة:

أن التوبة من الندم وذلك أنك قد تندم على الشيء ولا تعتقد قبحه ولا تكون التوبة من غير قبح فكل توبة ندم وليس كل ندم توبة.

.الفرق بين الاستغفار والتوبة:

أن الاستغفار طلب المغفرة بالدعاء والتوبة أو بغيرهما من الطاعة والتوبة الندم على الخطيئة مع العزم على ترك المعاودة فلا يجوز الاسغفار مع الإصرار لأنه مسلبة لله ما ليس من حكمه ومشيئتة ما لا تفعله مما قد نصب الدليل فيه وهو تحكم عليه كما يتحكم المتأمر المتعظم على غيره بأن يأمره بفعل ما أخره أنه لا يفعله. اهـ.
قوله تعالى: {فأولئك أتوب عليهم}.
{فأولئك أتوب عليهم} أقبل توبتهم بأن أسقط عنهم تجملًا وأضع مكانه الثواب تفضلًا بدلالة قوله: {وأنا التواب الرحيم}.
{إن الذين كفروا وماتوا} عام في كل من كان كذلك.
وقيل: مخصوص بهؤلاء الكاتمين. ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتًا إذا لم يتوبوا على هذا القول يكون إطلاق الكفر عليهم- وهم من أصحاب الكبائر- مجازًا تغليظًا، أو يراد بالكفر جحود الحق وستره. اهـ.

.تفسير الآيات (161 – 162):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما لعن الكاتمين واستثنى منهم التائبين ذكر المصرّين معبرًا عن كتمانهم بالكفر لتعم العبارة كل كفر فقال: {إن الذين كفروا} أي بهذا الكتمان وغيره {وماتوا وهم كفار} قال الحرالي: ففي إشعاره يسر توبة الكافرين وعسر توبة المنافقين من حيث صرح بذكر توبة الكاتم وتجاوز في الذكر توبة الكافر، فكان الذين كفروا يتوبون إلا الأقل والذين يكتمون يتمادون إلا الأقل، فلذلك وقع الاستثناء في الكاتم والتخصيص من الكافر. انتهى.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن في الآية مسائل:

.المسألة الأولى: في قوله تعالى: {إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ}:

إن ظاهر قوله تعالى: {إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} عام في حق كل من كان كذلك فلا وجه لتخصيصه ببعض من كان كذلك، وقال أبو مسلم: يجب حمله على الذين تقدم ذكرهم، وهم الذين يكتمون الآيات، واحتج عليه بأنه تعالى لما ذكر حال الذين يكتمون، ثم ذكر حال التائبين منهم، ذكر أيضًا حال من يموت منهم من غير توبة، وأيضًا أنه تعالى لما ذكر أن أولئك الكاتمين ملعونون حال الحياة، بين في هذه الآية أنهم ملعونون أيضًا بعد الممات.
والجواب عنه: أن هذا إنما يصح متى كان الذين يموتون من غير توبة لا يكونون داخلين تحت الآية الأولى، فأما إذا دخلوا تحت الأولى: استغنى عن ذكرهم فيجب حمل الكلام على أمر مستأنف.

.المسألة الثانية: لزوم الوعيد لمن كفر:

لما ذكر في الكلام أنه إذا مات على كفره صار الوعيد لازمًا من غير شرط ولما كان المعلق على الشرط عدمًا عند عدم الشرط؛ علمنا أن الكافر إذا تاب قبل الموت لم يكن حاله كذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} الموصول للعهد كما هو الأصل، والمراد به الذين كتموا وعبر عن الكتمان بالكفر نعيًا عليهم به، والجملة عديلة لما فيها إلا ولم تعطف عليها إشارة إلى كمال التباين بين الفريقين، والآية مشتملة على الجمع والتفريق جمع الكاتمين في حكم واحد وهو أنهم ملعونون ثم فرق فقال: أما الذين تابوا فقد تاب الله تعالى عليهم وأزال عنهم عقوبة اللعنة، وأما الذين ماتوا على الكتمان ولم يتوبوا عنه فقد استقرت عليهم اللعنة ولم تزل عنهم. وأورد كلمة الاستثناء في الجملة الأولى مع أنه ليس للإخراج عن الحكم السابق بل هو بمعنى لكن للدلالة على أن التوبة صارت مكفرة للعن عنهم فكأنهم لم يباشروا ولم يدخلوا تحته قاله بعض المحققين وفيه ارتكاب خلاف الظاهر في الاستثناء، ولهذا قال البعض إن المراد بالجملة المستثنى منها بيان دوام اللعن واستمراره وعليه يدور الاستثناء المتصل، وجملة {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} الخ مستأنفة سيقت لتحقيق بقاء اللعن فيما وراء الاستثناء وتأكيد دوامه واستمراره على غير التائبين والاقتصار على ذكر الكفر في الصلة من غير تعرض لعدم التوبة والإصلاح والتبيين مبني على أن وجود الكفر مستلزم لعدمها جميعها كما أن وجودها مستلزم للإيمان الموجب لعدم الكفر، ولذا لم يصرح بالإيمان في صفات التائبين، والفرق بين الدوامين أن الأول: تجددي، والثاني: ثبوتي ولا يخفى أن هذا أوفق بظاهر اللفظ وما ذكره بعض المحققين أجزل معنى وأعلى كعبًا وأدق نظرًا، وقيل: الموصول عام للذين كتموا وغيرهم كما يقتضيه ظاهر الصلة، والآية من باب التذييل فيدخل الكاتمون الذين ماتوا على الكتمان دخولًا أوليًا؛ واعترض بأن تقييد الوعيد بعدم التخفيف أعدل شاهد على أن الآية في شأن الكاتمين الذين ماتوا على ذلك لأنهم أشد الكفرة وأخبثهم فإن الوعيد في حق الكفرة مطلق الخلود في النار، وأنت تعلم أن هذافي حيز المنع بل ما من كافر جهنمي إلا وحاله يوم القيامة طبق ما ذكر في الآية ولا أظنك في مرية من ذلك بعد سماع قوله تعالى: {إِنَّ المجرمين في عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 4 7، 75] فلا يبعد القول بحسن هذا القيل وإليه ذهب الإمام وكلام الطيبي يشير إلى حسنه وطيبه فتدبر. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُواْ}.
منهم من قال: إنها مؤكدة لما قبلها لقوله: {إِلاَّ الذين تَابُوا} فبقيت الآية عامة فيمن كفر ولم يتب يكون داخلا تحت الوعيد وهو مقتضى هذه الآية، ومنهم من قال: أنها مؤسسة. وقرره بوجهين:
- الأول: أنّ اللّعنة في الأولى مطلقة تحتمل الدّوام والانقطاع وهنا مقيدة بالخلود والدوام.
- الثاني: أن العموم غير المخصوص بشيء أقوى دلالة من عموم خص بشيء، فلذلك أعيدت هذه الآية. ونحو هذا لابن رشد في النكاح الثالث.
قال ابن عرفة: فإن قلت: هلا قيل: ماتوا كفارا. فهو أخص من قوله: {وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ}؟
قال: وعادتهم يجيبون بوجهين:
الأول: أن هذا فيه فائدة البناء على المضمر، وقد ذكروا أنه يفيد إما الاختصاص أو مطلق الرّبط، قاله الزمخشري في {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النار}- الثاني: أن الحال قيد في الجملة، فهو من قسم التصور وقوله: {وَهُمْ كُفَّار} جملة من مسند ومسند إليه، فيرجع إلى قسم التصديقات، والتعبير بما هو من قسم التصديق أولى مما هو من قسم التصور لأنه يستلزم التصور فيدل على الأمرين.
قيل لابن عرفة: أو يجاب بأنه لو قيل وماتوا كفارا لكانت حالا، والحال من شرطها الانتقال مع أن المراد: من ثبت ودام على كفره فقال: وكذلك {وهم كفار} والواو فيه واو الحال.
قيل لابن عرفة، كيف عبر بهذا اللّفظ المقتضي للخصوص مع أن من مات كافرا بالإطلاق يناله هذا الوعيد؟
فقال: هذا وعيد خاص رتب على فعل خاص. انتهى.
قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملائكة}.
قال ابن عرفة: إن قلت: لم أعيد لفظ الفعل في الآية المتقدمة فقيل: {يَلعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون} ولم يعد هنا، فكرر هناك ما أسند إليه الاسم المعطوف عليه ولم يكرر هنا، فهلا قيل: أولئك عليهم لعنة الله ولعنة الملائكة ولعنة الناس أجمعين فهو أولى؟
قال: عادتهم يجيبون بأن الإسناد الأول للفاعل، وهو واحد بذاته لايتعدد، لأنه لا فاعل في الحقيقة إلا الله، والإسناد الثاني إضافي فهو أمر نسبي، والأمور النسبية الإضافية يمكن فيها التعدد كالوجود بالنسبة إلى القديم والحادث، فلذلك لم يفد لفظ اللعنة هنا. اهـ.
قوله تعالى: {والناس أجمعين}.
سؤال: لم قال هنا {والناس أجمعين} دون الآية السابقة؟
الجواب: وإنما قال هنا {والناس أجمعين} لأن المشركين يلعنهم أهل الكتاب وسائر المتدينين الموحدين للخالق بخلاف الذين يكتمون ما أنزل من البينات فإنما يلعنهم الله والصالحون من أهل دينهم كما تقدم وتلعنهم الملائكة، وعموم الناس عرفي أي الذين هم من أهل التوحيد. اهـ.
الآية تدل على جواز التخصيص مع التوكيد، لأنه تعالى قال: {والناس أَجْمَعِينَ} مع أنه مخصوص على مذهب من قال: المراد بالناس بعضهم. اهـ.
قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}.
{خالدين فِيهَا} أي في اللعنة، وقيل في النار إلا أنها أضمرت تفخيمًا لشأنها وتهويلًا كما في قوله تعالى: {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] والأول أولى لوجوه.
الأول: أن الضمير إذا وجد له مذكور متقدم فرده إليه أولى من رده إلى ما لم يذكر.
الثاني: أن حمل هذا الضمير على اللعنة أكثر فائدة من حمله على النار، لأن اللعنة هو الإبعاد من الثواب بفعل العقاب في الآخرة وإيجاده في الدنيا فكان اللعن يدخل فيه النار وزيادة فكان حمل اللفظ عليه أولى.
الثالث: أن قوله: {خالدين فِيهَا} إخبار عن الحال، وفي حمل الضمير على اللعن يكون ذلك حاصلًا في الحال، وفي حمله على النار لا يكون حاصلًا في الحال، بل لابد من التأويل؛ فكان ذلك أولى. اهـ.
قوله: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} والإنظار هو التأجيل والتأخير قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] والمعنى: إن عذابهم لا يؤجل، بل يكون حاضرًا متصلًا بعذاب مثله فكأنه تعالى أعلمنا أن حكم دار العذاب والثواب بخلاف حكم الدنيا فإنهم يمهلون فيها إلى آجال قدرها الله تعالى، وفي الآخرة لا مهلة ألبتة فإذا استمهلوا لا يمهلون، وإذا استغاثوا لا يغاثون وإذا استعتبوا لا يعتبون، وقيل لهم؛ {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} [المؤمنون: 108] نعوذ بالله من ذلك والحاصل أن هذه الصفات الثلاثة التي ذكرها الله تعالى للعقاب في هذه الآية دلت على يأس الكافر من الإنقطاع والتخفيف والتأخير. اهـ.